مازن معروف.. السريالية والغربة والتنظيم الميكانيكي

بيروت (رويترز) – اذا كان من بعض تحديدات الشعر الغرابة واحداث مفاجآت في نفس القارىء مع ما قد يخلقه ذلك من لذة غريبة في نفسه فلا شك في ان مجموعة مازن معروف “ملاك على حبل غسيل” قدرا لا بأس به من الشعر

قصائد الشاعر والصحافي الفلسطيني المولود في بيروت مازن معروف تحفل بأجواء سريالية وبغرابة غير عادية تبدو احيانا كأنها مقصودة من خلال تنظيم ميكانيكي يؤدي نوعا ما عند كثرة تكراره الى القضاء على قدر كبير من الدهشة الاولى التي شعر بها القارىء في البداية

العنوان نفسه “ملاك على حبل غسيل” على جمال الغرابة فيه يحمل الى الذهن ما يروى عن “الجدل البيزنطي” وكم ملاكا يمكن ان يجلس على رأس ابرة.

تكاد القصائد كلها تفيض بتلك السريالية والغرابة الى درجة ان القارىء قد يشعر بأن هناك تكثيفا لحال واحدة واعادات في تقاسيم متشابهة تتناول بمنهجيتها الواحدة كل ما تقع عليه العين. ولعل في ذلك ما قد يخفف الشعور باللذة الجمالية التي تعاد اسبابها وتعاد وتعاد دون ان يشعر القارىء بنفس جديد في المسألة

صدرت المجموعة في 150 صفحة متوسطة القطع عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت وتوزعت على 74 قصيدة معظمها قصير. عناوين عدد من القصائد ورد باللغة الانجليزية

القصيدة الاولى حملت عنوانا بالانجليزية هو “باسكت بول” او كرة السلة. وفيها يقول مازن معروف

على طرف الباب
تتكئ سلة المهملات الصغيرة
في غرفتي

جثتي الرطبة
أكوِّرها بحنان بين يدي
ثم أجففها
بآخر نفس زفرتُه قبل أن أموت
وأختار من الدماغ
زيحا متعرجا ونظيف
أضعه على الأرض بعناية
أقف خلفه
وألقي بالكرة التي صنعتها للتو
في فم السلة

مجرد لفت انتباه
إلى أنني
عضلةٌ
تستطيعُ
بحيلةٍ اسمها الموت
قذف نفسها إلى الأمام

من يتوقع مشاعر فياضة وحرارة عاطفية وصورا دافئة فمن الصعب ان يعثر على هذا في شعر مازن معروف الذي يبدو كثير منه كأنه نتيجة عملية “تسلية” فنية تسعى الى ابراز الغريب المذهل في صوره وتراكيبه

القصيدة الثانية حملت عنوانا بالانجليزية ايضا هو “ببل جام” وهو اسم “علكة” شهيرة معروفة بقدرتها على صنع الفقاعات. يقول الشاعر

قد أبصق صوتي
قد يخرج آخذا شكل فقاعة مجعّدة
قد أربط الفقاعة بشريان يابس
يخرج من فمي
وينوصل بالحنجرة
قد أبحث للفقاعة عن سماء
ومن سوء الحظ
قد يحدث أن أجد السماء تلك
عندئذ
قد أثبّت الفقاعة جيدا ً على الأرض
ثم أمنحُها ركلة
ثم يكونُ أن تراني رجلا ً متدليا ً من فقاعة ترتفع في الهواء
قد أسمي ذلك كله
فرح

في قصيدة عنوانها الانجليزي هو “هاند ميد” اي صناعة يدوية نجد انفسنا امام فكرة يود الشاعر ان يقدمها لنا فأوردها بقدر من الغرابة التي يبحث عنها لكنها مع ذلك جاءت تقريرية ميكانيكية باردة. قال

عندي حلم بسيط
أن أصنع كوكباً آخر
يتسع
لجميع أعدائي
أسبقهم ٳليه
وأسكنه مؤقتا
نقضم قطعه اللذيذة حين نجوع
القطعة الأخيرة منه
القطعة الأخيرة فقط
تستحق أن نتقاتل
لأجلها

قصيدة “الغميضة” فكرة اخرى منظومة في قصيدة قصيرة. يقول

لو كانت ﺇصبعي
ممحاة
لأودعت العالم
مكانا آخر
بحجة
أنني ألعب الغميضة

في “باراشوت” يعبر عن حاجة انسانية بشكل حبل في ما لا يخلو من الطرافة. العالم بحاجة الى الابتسامة. يقول

أدركُ
أنني لم أعد طفلا
لهذا السبب
الدبّ الذي احتفظت به
كل تلك الأعوام
سألقي به من نافذة الدور السابع
بلا رأفة
محتفظاً فقط بالحبل الرقيق الذي خاطه أحدهم
فوق وجهه
على شكل ابتسامة
ذلك الحبل
أظن أنني أحتاجه

في “تصويب” يقول

ألا تعرف الفزاعة
أن أحدا
لن يأتي
لاصطحابها
ٳلى المنزل
آخر النهار؟

في “حاجيات” يقول الشاعر

أريد
نملة
تحمل رصاصة على ظهرها
وتتبعني
إلى الحرب
أريد
قمرا ً من أكواع المقاعد
تعلق داخله النظرات التي نرسلها في الفضاء وتضيع عادة وتصبح ثآليل
أريد بغلا
ناقما
لركل أصوات الآخرين المتكمشة
بحنجرتي
أريد متشردا ً يسعل بقوة
في وجهي
لأرتفع
عن
عماي

في “توق دائم” يقول

قلم الرصاص
يحيا وهو يستفرغ أحشاءه على الورقة
هو مثلنا
غير مقتنع
بوظيفته
لذلك
توقُهُ دائما للوصول إلى الممحاة
في الطرف الآخر

وتتكرر الصور ومعظمها لا يتناول مشاعر او حالات نفسية بل مناظر اعادت نفس الشاعر صوغها في اشكال جديدة غريبة

في “نزيف” يقول الشاعر

نافذتي ذابلة
وعلى وشك أن تنهار وتسيل على الجدران
حاملة معها إلى المنزل
كل مكونات المنظر الخارجي
رصيف، قبعة، صوت، إيماءة، أوتوبيس
أوتوبيس
يجد مكانا مناسبا
قرب مفصل ذراعي المفكوك
والمركون قرب المدفأة
بسبب أن عنكبوتا دخله
لكن كل هذا لا يحدث
لأنه ببساطة
منطقي
ولأن الأبيض المتراكم في الخارج
سيبقى وحيدا
وتافها
ولن يجد من يلوِّح له
بنقطة دم مطاطية
نزلت من أنف راكب غادر الأوتوبيس
مطاردا
العنكبوت

من جورج جحا